الاسلام

الجمعة، 10 سبتمبر 2010

وسطيه الاسلام والارهاب

المبحث الخامس: عن وسطيه الاسلام

المبحث الخامس مجالات الحوار يتفق العقلاء على أن ثوابت الدين ، وأمَّهات الفضائل ، وأمَّهات الرذائل ، لا يتناولها الحوار .
ففي الإسلام الإيمان بربوبية الله وعبوديَّته ، واتَّصافه بصفات الكمال ، وتنزيهه عن صفات النقص ، ونبوة محمد صلى الله عليه وسلم ، والقرآن الكريم كلام الله ، والحكم بما أنزل الله ، وحجاب المرأة ، وتعدد الزوجات ، وحرمة الربا ، والخمر ، والزنا ؛ كل هذه قضايا مقطوع بها لدى المسلمين ، وإثباتها شرعاً أمر مفروغ منه . إذا كان الأمر كذلك فلا يجوز أن تكون هذه محل حوار أو نقاش مع مؤمن بالإسلام لأنها محسومة . [ صالح بن حميد ]
وقد يسوغ النقاش في فرعيات من الحجاب ؛ كمسألة كشف الوجه ، فهي محل اجتهاد ؛ أما أصل الحجاب فليس كذلك .
الربا محسوم ؛ وقد يجري النقاش والحوار في بعض صوره وتفريعاته .

ومن هنا فلا يمكن لمسلم أن يقف على مائدة حوار مع شيوعي أو ملحد في مثل هذه القضايا ؛ لأن النقاش معه لا يبتدئ من هنا ، لأن هذه القضايا ليست عنده مُسَلَّمة ، ولكن يكون النقاش معه في أصل الديانة ؛ في ربوبيَّة الله ، وعبوديَّة ونبوّة محمد صلى الله عليه وسلم ، وصِدْق القرآن الكريم وإعجازه . [ أصول الحوار : صالح بن حميد ]
 

وسطيه الاسلام والارهاب

المبحث الرابع: عن وسطيه الاسلام
المبحث الرابع أصول الحوار وغايته تتعدد آراء الباحثين في أصول الحوار .
فمنهم من يؤسس حديثه في هذا الموضوع على أطراف الحوار الأربعة وهي: موضوع الحوار ، وأسلوبه ، وطرفاه أعني المتحاورين .
ومنهم من يؤسسه على الصفات العلمية والخلقية والنفسية التي ينبغي أن يتحلى بها المتحاورون .
ومنهم من يجعل القضايا المتحاور عليها هي الأساس الذي يبني عليه الحوار .
والأصوب أن يؤخذ كل ذلك في الحسبان ، فأصول الحوار على الإجمال ثلاثة : العلم ، والأهلية ، والخلق الفاضل ، ويندرج في كل أصل ما يتفرع عنه وتفصيله كالآتي :
الأصل الأول : ( العلم ) ويتضمن
أ) العلم بالدليل والبرهان وبوجه الاستدلال الصحيح : وفي التنزيل الحكيم: { قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } ، { قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي } [الأنبياء:24] { قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } [آل عمران:93] فمن واجبات المتحاورين التزام الطرق الإقناعية الصحيحة ؛ كتقديم الأدلة المثبتة للأمور ، وإثبات صحة النقل لما نقل .

ب) السلامة من التناقض : لأن التناقض ممجوج ، ومن أمثلة ذلك ما ذكره بعض أهل التفسير من وصف فرعون لموسى عليه السلام بقوله: { سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ } [ االذاريات:39 ]
وهو وصف قاله الكفار لكثير من الأنبياء بما فيهم كفار الجاهلية ولنبينا محمد صلى الله عليه وسلم . وهذان الوصفان السحر والجنون لا يجتمعان ، لأن الشأن في الساحر العقل والفطنة والذكاء ، أما المجنون فلا عقل معه ألبتة ، وهذا منهم تهافت وتناقض بيّن .
ونعت كفار قريش لآيات محمد صلى الله عليه وسلم بأنها سحر مستمر ، كما في قوله تعالى: { وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ } [القمر:2] وهو تناقض ؛ فالسحر لا يكون مستمرًا ، والمستمر لا يكون سحرًا .
ج) ألا يكون الدليل هو عين الدعوى ، لأنه إذا كان كذلك لم يكن دليلاً ، ولكنه إعادة للدعوى بألفاظ وصيغ أخرى . وعند بعض المُحاورين من البراعة في تزويق الألفاظ وزخرفتها ما يوهم بأنه يُورد دليلًا . وواقع الحال أنه إعادة للدعوى بلفظ مُغاير ، وهذا تحايل لإطالة النقاش من غير فائدة .
د) معرفة وجهة نظر المخالف وشبهاته ومسالك الرد عليها . ومن ذلك عدم الطعن في أدلة الخصم إلا ضمن الأمور المبنية على المنطق السليم والقواعد المعترف بها لدى الفريقين .
ه) معرفة مجالات الحوار ، وهي كل ما يقع فيه الخلاف وليس من الثوابت والمسلمات ، لأن المُسَلَّمات والثوابت لا تقبل النقاش عند العقلاء المتجردين كحُسْنِ الصدق ، وقُبحِ الكذب ، وشُكر المُحسن ، ومعاقبة المُذنب . فالتسليم ابتداء بالقضايا التي تعد من المسلمات والمتفق على صحتها مما ينبغي أن يتوافر عليها المتحاورون .
و) التخصص العلمي ، فلا يصح أن يحاور في الأديان من يجهل أصولها وتاريخها والفرق التي تنتسب إلى كل ملة ، وبالتخصص يتحقق التكافؤ العلمي وكثير من الحوار غير المنتج مردُّه إلى عدم التكافؤ بين المتحاورين ، ولقد قال الشافعي رحمه الله: "ما جادلت عالمًا إلا وغلبته ، وما جادلني جاهل إلا غلبني!" . وهذا التهكم من الشافعي - رحمه الله - يشير إلى الجدال العقيم الذي يجري بين غير المتكافئين .

الأصل الثاني : ( تحقق أهلية المحاور )
ويقتضي ذلك :
أ) اعتناق الحق والإيمان به ، إذ من الخطأ أن يتصدى للدفاع عن الحق من كان على الباطل ، ومن لا يعرف الحق ، ومن لا يجيد الدفاع عن الحق ، ومن لا يجيد مسالك الباطل .
ب) معرفة أصول الحوار ومسالكه وغايته وجملة آدابه فمن ذلك : إقامةُ الحجة ، ودفعُ الشبهة والفاسد من القول والرأي . فهو تعاون من المُتناظرين على معرفة الحقيقة والتَّوصُّل إليها ، ليكشف كل طرف ما خفي على صاحبه منها ، والسير بطرق الاستدلال الصحيح للوصول إلى الحق . يقول الحافظ الذهبي : "إنما وضعت المناظرة لكشف الحقِّ ، وإفادةِ العالِم الأذكى العلمَ لمن دونه ، وتنبيهِ الأغفلَ الأضعفَ" .

ج) التخصص العلمي : يقول شيخ الأزهر : علم الدين شيء ، وسلوك المتدين شيء آخر فالمتدين أيا كان حر في أن يفهم أو يتصور ما يشاء ثم يرد إلى ربه ، أما علوم الدين ، فتلك علوم لها أصولها وقواعدها التى ارتضاها أهل الاختصاص وبها قامت الأمم وبالخروج على نسقها سقطت أجيال الأمة ، وعلماء الدين لا يمثلون كهنوتا ولا يدعونه " إنما يحملون قواعد الدين ونظرياته ويصرون عليها إصرار الطبيب على قواعده ، والمحاسب على مبادئ علم المحاسبة ، والمهندس على نظريات الهندسة [ مجلة نور الإسلام ، العدد الأول ربيع الأول 1418هـ أغسطس 1997م ]

الأصل الثالث : التحلي بأخلاق الحوار ومنها
أ) الإخلاص لله تعالى ، ويقتضي : قصد الحق ، والبعد عن التعصب ، ومن مقولات الإمام الشافعي المحفوظة: ( ما كلمت أحداً قطّ إلا أحببت أن يُوفّق ويُسدّد ويُعان ، وتكون عليه رعاية الله وحفظه . وما ناظرني فبالَيْتُ! أَظَهَرَتِ الحجّةُ على لسانه أو لساني؟ ) .
ومن الإخلاص قبول الحق ، وإلا أصبح الحوار عبثا ، قال ابن عقيل : "وليقبل كل واحد منهما من صاحبه الحجة ؛ فإنه أنبل لقدره ، وأعون على إدراك الحق وسلوك سبيل الصدق " .
قال الشافعي رضي الله عنه: ما ناظرت أحداً فقبل مني الحجَّة إلا عظم في عيني ، ولا ردَّها إلا سقط في عيني" .
ب) سماحة النفس : فلا ينبغي التدابر والتباغض إذا انتهى الحوار إلى إصرار كل على رأيه ، ومقتضى الحكمة الأخذ بالقول الشهير ( رأينا صواب يحتمل الخطأ ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب ) .
ج) الحلم وسعة الصدر ويقتضي البعد عن السب أو الشتم أو التجريح أو الحقد أو السخرية من وجهة نظر الطرف الآخر .
د) كرم النفس : ويقتضي التزام القول الحسن ، وتجنب منهج التحدي والإفحام:

إن من أهم ما يتوجه إليه المُحاور في حواره ، التزام الحُسنى في القول والمجادلة ، ففي محكم التنزيل: { وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } (الإسراء: 53) . { وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } (النحل: 125) .
{ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا } (البقرة: 83) .
فحق العاقل اللبيب طالب الحق ، أن ينأى بنفسه عن أسلوب الطعن والتجريح والهزء والسخرية ، وألوان الاحتقار والإثارة والاستفزاز : { وَإِنْ جَادَلُوكَ فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ }{ اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ } (الحج: 68-69) .
وقوله: { وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ } (سبأ:24) . مع أن بطلانهم ظاهر ، وحجتهم داحضة .
ويلحق بهذا الأصل: تجنب أسلوب التحدي والتعسف في الحديث .
على أن هناك بعض الحالات الاستثنائية التي يسوغ فيها اللجوء إلى الإفحام وإسكات الطرف الآخر ؛ وذلك فيما إذا استطال وتجاوز الحد ، وطغى وظلم وعادى الحق ، وكابر مكابرة بيِّنة ، وفي مثل هذا جاءت الآية الكريمة:

{ وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ } (العنكبوت: 46) .
{ لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ } (النساء: من الآية148)
ففي حالات الظلم والبغي والتجاوز ، قد يُسمح بالهجوم الحادّ المركز على الخصم وإخراجه ، وتسفيه رأيه ؛ لأنه يمثل الباطل ، وحَسَنٌ أن يرى الناس الباطل مهزوماً مدحوراً .
هـ ) عدم الاعتداد بالنفس بل بالحق :
قال الشيخ صالح بن حميد : ( إن من الخطأ البيِّن في هذا الباب أن تظن أنّ الحق لا يغار عليه إلا أنت ، ولا يحبه إلا أنت ، ولا يدافع عنه إلا أنت ، ولا يتبناه إلا أنت ، ولا يخلص له إلا أنت .
ومن الجميل ، وغاية النبل ، والصدق الصادق مع النفس ، وقوة الإرادة ، وعمق الإخلاص ؛ أن تُوقِفَ الحوار إذا وجدْت نفسك قد تغير مسارها ودخلتْ في مسارب اللجج والخصام ، ومدخولات النوايا ) .
 

وسطيه الاسلام والارهاب

المبحث الثالث: عن وسطيه الاسلام

المبحث الثالث تعريف الحوار وأهميته تعريف الحوار
الحوار في اللغة من الحور وهو : الرجوع عن الشيء إلى الشيء . [ اللسان 4 / 217 ] ويقصد به : المُراجعة في الكلام .
والجدال: من جَدَلَ الحبل إذا فَتَلَه ، أطلق على من خاصم بما يشغل عن ظهور الحق ووضوح الصواب ، ثم استعمل في مُقابَلَة الأدلة لظهور أرجحها .
وبين الجدال والحوار فرق ؛ فالحوار مراجعة الكلام وتبادله بين المتحاورين وصولاً إلى غاية مستنداً إلى أنه يجري بين صاحبين أو اثنين ليس بينهما صراع ، ومنه قوله تعالى: { قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ } [ الكهف: 37]
وأما الجدال فأكثر وروده في القرآن الكريم بالمعنى المذموم كقوله تعالى: { وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ } [غافر: 5] وهذا الجدل حوار لا طائل من ورائه ولكن جاء الجدل أيضاً محموداً في مواضع كقوله تعالى: { وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } [العنكبوت: 46] ، وقوله تعالى: { ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } [النحل: 125]

فالجدال بالتي هي أحسن مرادف للحوار الإيجابي البناء ، ويجمع بين الحوار والجدال معنى تطارح الرأي والأخذ والرد وقد جمعهما قول الله تعالى : { قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ } (المجادلة:1)
قال الدكتور صالح بن حميد : ويراد بالحوار والجدال في مصطلح الناس: مناقشة بين طرفين أو أطراف ، يُقصد بها تصحيح كلامٍ ، وإظهار حجَّةٍ ، وإثبات حقٍ ، ودفع شبهةٍ ، وردُّ الفاسد من القول والرأي .
وقد يكون من الوسائل في ذلك: الطرق المنطقية والقياسات الجدليَّة من المقدّمات والمُسلَّمات ، مما هو مبسوط في كتب المنطق وعلم الكلام وآداب البحث والمناظرة وأصول الفقة . [ أصول الحوار ]
ولكي يكون التعريف جامعا يراعى فيه ثلاثة عناصر : الأول: أن يجمع بين خصمين متضادين . والثاني: أن يأتي كل خصم في نصرته لنفسه بأدلة ترفع شأنه وتعلي مقامه فوق خصمه . والثالث: أن تصاغ المعاني والمراجعات صوغاً لطيفا .

أهمية الحوار
يكتسب الحوار أهمية بالغة في منظومة الدعوة الإسلامية ، فهو أسلوب أصيل من أساليب الدعوة ومعلم بارز في منهجها الرشيد .
وللحوار دوره الكبير في تأصيل الموضوعية ورد الفكرة المغرضة كالفكرة القائلة إن الإسلام دين القهر ، وإنه انتشر بالسيف كما روجه أعداء الإسلام من ضلال المستشرقين والمنصّرين . وكيف يصح ذلك والإسلام دين الحوار وفي التنزيل الحكيم { لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } [ البقرة : 256] .
فلو كان صحيحا أن الإسلام دين السيف لما كان للحوار معنى ، وقد حفل القرآن الكريم بعشرات النصوص حول الحوار تأمر به وتحض عليه وتنوه بقيمته وتقدم نماذج من حوارات الأنبياء والمرسلين ، وتقدم نماذج من الحوارات التي ينبغي أن يسلكها الدعاة إلى الله مع مختلف أصناف المدعوين من أهل الكتاب والمشركين والملاحدة ومنكري البعث وغيرهم .

والحوار قديم قدم البشرية فهو نابع من أعماق النفس البشرية ، ومما ورد في القرآن الكريم الحوار الذي كان بين آدم وزوجه حوار وهما في الجنة ، وكذلك ما أمر الله به الملائكة من السجود لآدم لما خلقه قال تعالى : { وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ } إلى آخر الآيات من سورة [البقرة] .
 

وسطيه الاسلام والارهاب

المبحث الثانى: عن وسطيه الاسلام

المبحث الثاني من مظاهر وسطية الإسلام وسماحته وسطية الإسلام في العقيدة
تتجلى في أسس الإيمان وأركانه العظام حيث الوضوح والخلو من الغموض والطلاسم والتعقيد ، فالإيمان بالله تعالى وبوجوده مركوز في الفطرة ، ودلائل ذلك واضحة جلية في صفحة الكون وأغوار النفس ، والإيمان بأنه لا إله إلا هو وأنه متفرد في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته وأنه ليس كمثله شيء ، كذلك واضح وضوح الشمس في آيات التنزيل الحكيم وفي آيات الله في الكون ، والوسطية في اعتقاد العقيدة القويمة في ذلك دون غلو ولا إفراط ولا تفريط أيضا مظهر من مظاهر الاعتدال ، والمسلمون يبتهلون إلى الله كل يوم خمس مرات قائلين { اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ }{ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ } [الفاتحة : 6-7 ]
هي دعوة أن يهديهم الصراط المستقيم ، الذي هو وسط بين طريق المغضوب عليهم وهم اليهود وبين الضالين وهم النصارى . وهي دعوة أن يثبتهم على ذلك .

وسطية الإسلام في الشريعة
شريعة الإسلام في مجال العبادات والمعاملات تتسم بالوسطية ، فهي بين الغلو والتهاون ، بين الإفراط والتفريط ، وما الشواهد المتكاثرة في القرآن والسنة على تقرير الوسطية إلا مظاهر تقرر أنها شريعة صالحة لكل عصر ومصر . مثل قوله صلى الله عليه وسلم : « أما أنا فأصوم وأفطر وأرقد وأصلي وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني » [ متفق عليه ] .
ولقد استنبط العلماء القواعد الفقهية والأصولية من تشريعات الإسلام مثل قولهم : الضرورات تبيح المحظورات ، والضرورة تقدر بقدرها ، وغيرها كثير كلها تنبئ بعظمة هذا الدين وأنه دين الوسطية والاعتدال قال تعالى : { أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ } [المائدة : 50] .

وسطية الإسلام في الأخلاق
وهو الجانب السلوكي التطبيقي في المعاملات بين الناس ، عماده أيضا الوسطية والاعتدال في البذل والإنفاق ، وفي القضاء والاقتضاء ، وفي البيوع ، وفي التقاضي وفي سائر الأمور ، لهذا المعنى كانت الأمة الخاتمة خير الأمم لوسطيتها قال تعالى : { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا } [البقرة : 143]

وسطية الإسلام في منهج الدعوة
وهو منهج قائم على الاعتدال أساسه الحكمة والموعظة الحسنة ، والجدال بالتي هي أحسن ، عماده اللين والرفق في غير ضعف ، وفي الوقت ذاته الجدال بالتي هي أحسن للإقناع وإقامة الحجة ، ثم الجلاد لمن كابر وعاند . ولكن دون إكراه ولا قهر ، فمن آمن فله ما لنا وعليه ما علينا ، ومن اختار دينه فلا حرج على أن يكف عن المسلمين يده ولسانه قال تعالى : { لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } [ البقرة : 256]


وفي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أيضا لا عنف ولا تطرف ولا إرهاب ، ولا بد من إذن الإمام في تغيير المنكرات التي تتعلق بحقوق الآخرين من مسلمين أو ذميين ومعاهدين ، وطاعة ولي الأمر من واجبات الشريعة قال تعالى : { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا } [ النساء : 59]