الاسلام: وسطيه الاسلام والارهاب

الجمعة، 10 سبتمبر 2010

وسطيه الاسلام والارهاب

المبحث الرابع: عن وسطيه الاسلام
المبحث الرابع أصول الحوار وغايته تتعدد آراء الباحثين في أصول الحوار .
فمنهم من يؤسس حديثه في هذا الموضوع على أطراف الحوار الأربعة وهي: موضوع الحوار ، وأسلوبه ، وطرفاه أعني المتحاورين .
ومنهم من يؤسسه على الصفات العلمية والخلقية والنفسية التي ينبغي أن يتحلى بها المتحاورون .
ومنهم من يجعل القضايا المتحاور عليها هي الأساس الذي يبني عليه الحوار .
والأصوب أن يؤخذ كل ذلك في الحسبان ، فأصول الحوار على الإجمال ثلاثة : العلم ، والأهلية ، والخلق الفاضل ، ويندرج في كل أصل ما يتفرع عنه وتفصيله كالآتي :
الأصل الأول : ( العلم ) ويتضمن
أ) العلم بالدليل والبرهان وبوجه الاستدلال الصحيح : وفي التنزيل الحكيم: { قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } ، { قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي } [الأنبياء:24] { قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } [آل عمران:93] فمن واجبات المتحاورين التزام الطرق الإقناعية الصحيحة ؛ كتقديم الأدلة المثبتة للأمور ، وإثبات صحة النقل لما نقل .

ب) السلامة من التناقض : لأن التناقض ممجوج ، ومن أمثلة ذلك ما ذكره بعض أهل التفسير من وصف فرعون لموسى عليه السلام بقوله: { سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ } [ االذاريات:39 ]
وهو وصف قاله الكفار لكثير من الأنبياء بما فيهم كفار الجاهلية ولنبينا محمد صلى الله عليه وسلم . وهذان الوصفان السحر والجنون لا يجتمعان ، لأن الشأن في الساحر العقل والفطنة والذكاء ، أما المجنون فلا عقل معه ألبتة ، وهذا منهم تهافت وتناقض بيّن .
ونعت كفار قريش لآيات محمد صلى الله عليه وسلم بأنها سحر مستمر ، كما في قوله تعالى: { وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ } [القمر:2] وهو تناقض ؛ فالسحر لا يكون مستمرًا ، والمستمر لا يكون سحرًا .
ج) ألا يكون الدليل هو عين الدعوى ، لأنه إذا كان كذلك لم يكن دليلاً ، ولكنه إعادة للدعوى بألفاظ وصيغ أخرى . وعند بعض المُحاورين من البراعة في تزويق الألفاظ وزخرفتها ما يوهم بأنه يُورد دليلًا . وواقع الحال أنه إعادة للدعوى بلفظ مُغاير ، وهذا تحايل لإطالة النقاش من غير فائدة .
د) معرفة وجهة نظر المخالف وشبهاته ومسالك الرد عليها . ومن ذلك عدم الطعن في أدلة الخصم إلا ضمن الأمور المبنية على المنطق السليم والقواعد المعترف بها لدى الفريقين .
ه) معرفة مجالات الحوار ، وهي كل ما يقع فيه الخلاف وليس من الثوابت والمسلمات ، لأن المُسَلَّمات والثوابت لا تقبل النقاش عند العقلاء المتجردين كحُسْنِ الصدق ، وقُبحِ الكذب ، وشُكر المُحسن ، ومعاقبة المُذنب . فالتسليم ابتداء بالقضايا التي تعد من المسلمات والمتفق على صحتها مما ينبغي أن يتوافر عليها المتحاورون .
و) التخصص العلمي ، فلا يصح أن يحاور في الأديان من يجهل أصولها وتاريخها والفرق التي تنتسب إلى كل ملة ، وبالتخصص يتحقق التكافؤ العلمي وكثير من الحوار غير المنتج مردُّه إلى عدم التكافؤ بين المتحاورين ، ولقد قال الشافعي رحمه الله: "ما جادلت عالمًا إلا وغلبته ، وما جادلني جاهل إلا غلبني!" . وهذا التهكم من الشافعي - رحمه الله - يشير إلى الجدال العقيم الذي يجري بين غير المتكافئين .

الأصل الثاني : ( تحقق أهلية المحاور )
ويقتضي ذلك :
أ) اعتناق الحق والإيمان به ، إذ من الخطأ أن يتصدى للدفاع عن الحق من كان على الباطل ، ومن لا يعرف الحق ، ومن لا يجيد الدفاع عن الحق ، ومن لا يجيد مسالك الباطل .
ب) معرفة أصول الحوار ومسالكه وغايته وجملة آدابه فمن ذلك : إقامةُ الحجة ، ودفعُ الشبهة والفاسد من القول والرأي . فهو تعاون من المُتناظرين على معرفة الحقيقة والتَّوصُّل إليها ، ليكشف كل طرف ما خفي على صاحبه منها ، والسير بطرق الاستدلال الصحيح للوصول إلى الحق . يقول الحافظ الذهبي : "إنما وضعت المناظرة لكشف الحقِّ ، وإفادةِ العالِم الأذكى العلمَ لمن دونه ، وتنبيهِ الأغفلَ الأضعفَ" .

ج) التخصص العلمي : يقول شيخ الأزهر : علم الدين شيء ، وسلوك المتدين شيء آخر فالمتدين أيا كان حر في أن يفهم أو يتصور ما يشاء ثم يرد إلى ربه ، أما علوم الدين ، فتلك علوم لها أصولها وقواعدها التى ارتضاها أهل الاختصاص وبها قامت الأمم وبالخروج على نسقها سقطت أجيال الأمة ، وعلماء الدين لا يمثلون كهنوتا ولا يدعونه " إنما يحملون قواعد الدين ونظرياته ويصرون عليها إصرار الطبيب على قواعده ، والمحاسب على مبادئ علم المحاسبة ، والمهندس على نظريات الهندسة [ مجلة نور الإسلام ، العدد الأول ربيع الأول 1418هـ أغسطس 1997م ]

الأصل الثالث : التحلي بأخلاق الحوار ومنها
أ) الإخلاص لله تعالى ، ويقتضي : قصد الحق ، والبعد عن التعصب ، ومن مقولات الإمام الشافعي المحفوظة: ( ما كلمت أحداً قطّ إلا أحببت أن يُوفّق ويُسدّد ويُعان ، وتكون عليه رعاية الله وحفظه . وما ناظرني فبالَيْتُ! أَظَهَرَتِ الحجّةُ على لسانه أو لساني؟ ) .
ومن الإخلاص قبول الحق ، وإلا أصبح الحوار عبثا ، قال ابن عقيل : "وليقبل كل واحد منهما من صاحبه الحجة ؛ فإنه أنبل لقدره ، وأعون على إدراك الحق وسلوك سبيل الصدق " .
قال الشافعي رضي الله عنه: ما ناظرت أحداً فقبل مني الحجَّة إلا عظم في عيني ، ولا ردَّها إلا سقط في عيني" .
ب) سماحة النفس : فلا ينبغي التدابر والتباغض إذا انتهى الحوار إلى إصرار كل على رأيه ، ومقتضى الحكمة الأخذ بالقول الشهير ( رأينا صواب يحتمل الخطأ ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب ) .
ج) الحلم وسعة الصدر ويقتضي البعد عن السب أو الشتم أو التجريح أو الحقد أو السخرية من وجهة نظر الطرف الآخر .
د) كرم النفس : ويقتضي التزام القول الحسن ، وتجنب منهج التحدي والإفحام:

إن من أهم ما يتوجه إليه المُحاور في حواره ، التزام الحُسنى في القول والمجادلة ، ففي محكم التنزيل: { وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } (الإسراء: 53) . { وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } (النحل: 125) .
{ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا } (البقرة: 83) .
فحق العاقل اللبيب طالب الحق ، أن ينأى بنفسه عن أسلوب الطعن والتجريح والهزء والسخرية ، وألوان الاحتقار والإثارة والاستفزاز : { وَإِنْ جَادَلُوكَ فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ }{ اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ } (الحج: 68-69) .
وقوله: { وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ } (سبأ:24) . مع أن بطلانهم ظاهر ، وحجتهم داحضة .
ويلحق بهذا الأصل: تجنب أسلوب التحدي والتعسف في الحديث .
على أن هناك بعض الحالات الاستثنائية التي يسوغ فيها اللجوء إلى الإفحام وإسكات الطرف الآخر ؛ وذلك فيما إذا استطال وتجاوز الحد ، وطغى وظلم وعادى الحق ، وكابر مكابرة بيِّنة ، وفي مثل هذا جاءت الآية الكريمة:

{ وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ } (العنكبوت: 46) .
{ لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ } (النساء: من الآية148)
ففي حالات الظلم والبغي والتجاوز ، قد يُسمح بالهجوم الحادّ المركز على الخصم وإخراجه ، وتسفيه رأيه ؛ لأنه يمثل الباطل ، وحَسَنٌ أن يرى الناس الباطل مهزوماً مدحوراً .
هـ ) عدم الاعتداد بالنفس بل بالحق :
قال الشيخ صالح بن حميد : ( إن من الخطأ البيِّن في هذا الباب أن تظن أنّ الحق لا يغار عليه إلا أنت ، ولا يحبه إلا أنت ، ولا يدافع عنه إلا أنت ، ولا يتبناه إلا أنت ، ولا يخلص له إلا أنت .
ومن الجميل ، وغاية النبل ، والصدق الصادق مع النفس ، وقوة الإرادة ، وعمق الإخلاص ؛ أن تُوقِفَ الحوار إذا وجدْت نفسك قد تغير مسارها ودخلتْ في مسارب اللجج والخصام ، ومدخولات النوايا ) .
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق