الاسلام: القران الكريم

القران الكريم

فضائل القران الكريم
فضائل القران الكريم
باب ذكر جمل من فضائل القرآن والترغيب فيه وفضل طالبه وقارئه ومستمعه والعامل به:


 اعلم ان هذا الباب واسع كبير الف فيه العلماء كتبا كثيرة نذكر من ذلك نكتا تدل على فضله وما أعد الله لأهله إذا اخلصوا الطلب لوجهه وعلموا به
فأول:  ذلك أن يستشعر المؤمن من فضل القرآن انه كلام رب العالمين غير مخلوق كلام من ليس كمثله شيء وصفة من ليس له شبيه ولا ند فهو من نور ذاته جل وعز وأن القراءة أصوات القراء ونغماتهم وهي أكسابهم التي يؤمرون بها في حال إيجابا في بعض العبادات وندبا في كثير من الوقات ويزجرون عنها إذا اجنبوا ويثابون عليها ويعاقبون على تركها وهذا مما أجمع عليه المسلمون أهل الحق ونطقت به الآثار ودل عليها المتسفيض من الأخبار

ولا يتعلق الثواب والعقاب إلا بما هو من أكساب العباد على ما ياتي بيانه ولولا أنه ـ سبحانه ـ جعل في قلوب عباده من القوة على حمله ما جعله ليتدبروا وليعتبروا به وليتذكروا ما فيه من طاعته وعبادته وأداء حقوقه وفرائضه لضعفت ولاندكت بثقله أو لتضعضعت له وأتى تطيقه وهو يقول تعالى جده ـ وقوله الحق :
 { لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله }
 فأين قوة القلوب من قوة الجبال ! ولكن الله تعالى رزق عباده من القوة على حمله ما شاء ان يرزقهم فضلا منه ورحمة
 وأما ما جاء من الآثار في هذا الباب ـ
 فأول ذلك ما خرجه الترمذي عن ابي سعيد قال :
 [ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يقول الرب تبارك وتعالى من شغله القرآن وذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين ـ قال : ـ وفضل كلام الله 

على سائر الكلام كفضل الله على خلقه ] قال : هذا حديث حسن غريب وروى أبو محمد الدارمي السمرقندي في مسنده عن عبد الله قال :
 السبع الطول مثل التوارة والمئون مثل الإنجيل والمثاني مثل الزبور وسائر القرآن بعد فضل

 وأسند عن الحارث عن علي رضي لله عنه وخرجه الترمذي قال :
 [ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ستكون فتن كقطع الليل المظلم قلت : يا رسول الله وما المخرج منها ؟ قال : كتاب الله تبارك وتعالى فيه نبأ من قبلكم وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم هو الفضل ليس بالهزل من تركه من جبار قصمه الله ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله هو حبل الله المتين ونوره المبين والذكر الحكيم وهو الصراط المستقيم وهو الذي لا تزيغ به الأهواء ولا تلتبس به الألسنة ولا تتشعب معه الآراء ولا يشبع منه العلماء ولا يمله الأتقياء ولا يخلق على كثرة الرد ولا تنقضي عجابئه وهو الذي لم تنته الجن إذ سمعته أن قالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا من علم علمه سبق ومن قال به صدق ومن حكم به عدل ومن عمل به أجر ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم ] خذها إليك يا أعور
 الحارث : رماه الشعبي بالكذب وليس بشيء ولم يبن من الحارث كذب وإنما نقم عليه إفراطه في حب علي وتفضيله له على عيره ومن ها هنا ـ والله أعلم ـ كذبه الشعبي لأن الشعبي يذهب الى تفضيل ابي بكر والى انه اول من أسلم قال ابو عمر بن عبد البر : واظن الشعبي عوقبل لقوله في الحارث الهمداني : حدثني الحارث وكان أحد الكذابين

 واسند ابو بكر محمج بن القاسم بن بشار بن محمد الأنباري النحوي اللغوي في كتاب الرد على من خالف مصحف عثمان عن عبد الله بن مسعود قال : [ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن هذا القرآن مأدبة الله فتعلموا من مأدبته ما استطعتم إن هذا القرآن حبل الله وهو النور المبين والشفاء النافع عصمة من تمسك به ونجاة من اتبعه لا يعوج فيقوم ولا يزيغ فيستعتب ولا تنقضي عجائبه ولا يخلق عن كثرة الرد فاتلوه فإن الله يأجركم على تلاوته بكل حرف عشر حسنات أما إني لا أقول الم حرف ولا ألفين أحدكم واضعا إحدى رجليه يدع أن يقرأ سورة البقرة فإن الشيطان يفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة وإن أصفر البيوت من الخير البيت الصفر من كتاب الله ]
 وقال أبو عبيد في غريبه عن عبد الله قال : إن هذا القرآن مأدبة الله فمن دخل فيه فهو آمن قال : وتأويل الحديث أنه مثل شبه القرآن بصنيع صنعه الله عز وجل للناس لهم فيه خير ومنافع ثم دعاهم إليه يقال : مأدبة ومأدبة فمن قال : مادبة أراد الصنيع يصنعه الإنسان فيدعو اليه الناس ومن قال : مأدبة فإنه يذهب به الى الأدب يحمله مفعلة من الأدب ويحتج بحديثه الآخر : [ إن هذا القرآن مأدبة الله عز وجل فتعلموا من مأدبته ] وكان الأحمر يجعلهما لغتين بمعنى واحد ولم أسمع أحدا يقول هذا غيره قال : والتفسير الأول أعجب إلي
 وروى البخاري عن عثمان بن عفان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
 [ خيركم من تعلم القرآن وعلمه ] وروى مسلم عن ابي موسى قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
 [ مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأترجة ريحها طيب وطعمها طيب ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن مثل التمرة لا ريح لها وطعمها حلو ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن مثل الريحانة ريحها طيب وطعمها مر ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة لا ريح لها وطعمها مر ] وفي رواية : [ مثل الفاجر ] بدل [ المنافق ] وقال البخاري : [ مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن كمثل الأترجة طعمها طيب وريحها طيب ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن كمثل التمرة ] وذكر الحديث
 وذكر ابو بكر الأنباري : وقد أخبرنا أحمد بن يحيى الحلواني حدثنا يحيى بن عبد الحميد حدثنا هشيم ح وأنبأنا إدريس حدثنا خلف حدثنا هشيم عن العوام بن حوشب : أن أبا عبد الرحمن السلمي : كان إذا ختم عليه الخاتم القرآن أجلسه بين يديه ووضع يده على راسه وقال له : يا هذا اتق الله ! فما اعرف احدا خيرا منك ان علمت بالذي علمت
 وروى الدارمي عن وهب الذماري قال : من آتاه الله القرآن فقام به آناء الليل وآناء النهار وعمل بما فيه ومات على الطاعة بعثه الله يوم القيامة مع السفرة والأحكام قال سعيد : السفرة الملائكة والأحكام الأنبياء
 وروى مسلم عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
 [ الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران ]                
 التتعتع : التردد في الكلام عيا وصعوبة وانما كان له أجران من حيث التلاوة ومن حيث المشقة
ودرجات الماهر فوق ذلك كله لأنه قد كان القرآن متعتا عليه ثم ترقى عن ذلك الى أن شبه بالملائكة والله أعلم.
 وروى الترمذي عن عبد الله بن مسعود قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
  (من قرأ حرف من كتاب الله فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها لا أقول الم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف ]
 قال : حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه وقد روي موقوفا
 وروى مسلم [ عن عقبة بن عامر قال : خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في الصفة فقال : أيكم يحب أن يغدو كل يوم إلى بطحان أو إلى العقيق فيأتي منه بناقتين كوماوين في غير إثم ولا قطع رحم فقلنا : يا رسول الله كلنا نحب ذلك : قال : أفلا يغدو أحدكم إلى المسجد فيعلم أو يقرأ آيتين من كتاب الله عز وجل خير له من ناقتين وثلاث خير له من ثلاث وأربع خير له من أربع ومن أعدادهن من الإبل)
 وعن ابي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ من نفس عن مسلم كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة والله في عون العبد ما كان العبد في عون اخيه ومن سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له طريقا إلى الجنة وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده ومن أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه ]
 وروى أبو داود و النسائي و الدارمي و الترمذي عن عقبة بن عامر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
 [ الجاهر بالقرآن كالجاهر بالصدقة والمسر بالقرآن كالمسر بالصدقة ] قال الترمذي : حديث حسن غريب
 وروى الترمذي عن ابي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال
 [ يجيء القرآن يوم القيامة فيقول : يا رب حله فيلبس تاج الكرامة ثم يقول : يا رب زده فيلبس حلة الكرامة ثم يقول يا رب ارض عنه فيرضى عنه فيقال له اقرأ وارق ويزاد بكل آية حسنة ] قال : حديث صحيح وروى أبو داود عن عبد الله بن عمرو قال [ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يقال لصاحب القرآن اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها ] وأخرجه ابن ماجة في سننه عن ابي سعيد الخدري قال : [ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يقال لصاحب القرآن إذا دخل الجنة اقرأ واصعد فيقرأ ويصعد بكل آية درجة حتى يقرأ آخر شيء معه ]
 واسند ابو بكر الأنباري عن ابي امامة الحمصي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
 [ من أعطي ثلث القرآن فقد أعطي ثلث النبوة ومن أعطي ثلثي القرآن فقد أعطي ثلثي النبوة ومن قرأ القرآن كله فقد أعطي النبوة كلها غير أنه لا يوحى إليه ويقال له يوم القيامة اقرأ وارق فيقرأ آية ويصعد درجة حتى ينجز ما معه من القرآن ثم يقال له اقبض فيقبض ثم يقال له : أتدري ما في يديك ؟ فإذا في يده اليمنى الخلد وفي اليسرى النعيم ]
 حدثنا ادريس بن خلف حدثنا اسماعيل بن عياش عن تمام عن الحسن قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
 [ من أخذ ثلث القرآن وعمل به فقد أخذ أمر ثلث النبوة ومن أخذ نصف القرآن وعمل به فقد أخذ أمر نصف النبوة ومن أخذ القرآن كله فقد أخذ النبوة كلها ] قال : وحدثنا محمد بن يحيى المروزي أنبأنا محمد وهو ابن سعدان حدثنا الحسين بن محمد عن حفص عن كثير بن زاذان عن عاصم بن ضمرة عن علي رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
 [ من قرأ القرآن وتلاه وحفظه ادخله الله الجنة وشفعه في عشرة من أهل بيته كل قد وجبت له النار ] وقالت أم الدرداء : دخلت على عائشة رضي الله عنها : فقلت لها ما فضل من قرأ القرآن على من لم يقرأه ممن دخل الجنى ؟ فقالت عائشة رضي الله عنها : إن عدد آي القرآن على عدد درج الجنة فليس أحد دخل الجنة أفضل ممن قرأ القرآن ذكره أبو محمد مكي وقال ابن عباس : من قرأ القرآن واتبع ما فيه هداه الله من الضلالة ووقاه يوم القيامة سوء الحساب وذلك بأن الله تبارك وتعالى يقول : { فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى } قال ابن عباس : فضمن الله لمن اتبع القرآن ألا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة ذكره مكي ايضا وقال الليث : يقال ما الرحمة فالى احد بأسرع منها الى مستمع القرآن لقول الله جل ذكره : { وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون }
 وفي مسند ابي داود الطيالسي : ـ وهو أول مسند ألف في الإسلام ـ عن عبد الله بن عمرو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
 [ من قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين ومن قام بمائة آية كتب من القانتين ومن قام بألف آية كتب من المقنطرين ]
 والآثار في معنى هذا الباب كثيرة وفيما ذكرنا كفاية والله الموفق للهداية

من كتاب تفسير القرطبى باب فضائل القران الكريم
باب كيفية التلاوة لكتاب الله تعالى وما يكره منها وما يحرم واختلاف الناس في ذلك:
روى البخاري [ عن قتادة قال : سألت أنسا عن قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : كان يمد مدا إذا قرأ بسم الله الرحمن الرحيم يمد بسم الله ويمد بالرحمن ويمد بالرحيم)
  وروى الترمذي [ عن أم سلمة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقطع قراءته يقول : { الحمد لله رب العالمين } ثم يقف { الرحمن الرحيم } ثم يقف وكان يقرؤها { مالك يوم الدين } ] قال : حديث غريب واخرجه ابو داود بنحوه.

 
 


 وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
 [ أحسن الناس صوتا من إذا قرأ رأيته يخشى الله تعالى ] وروي عن زياد النميري أنه جاء مع القراء الى أنس بن مالك فقيل له : اقرأ فرفع صوته وطرب وكان رفيع الصوت فكشف انس عن وجهه وكان على وجهه خرقة سوداء فقال : يا هذا ما هكذا كانوا يفعلون ! وكان اذا رأى شيئا ينكره كشف الخرقة عن وجهه
 وروي عن قيس بن عباد أنه قال : كان اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يكرهون رفع الصوت عند الذكر
 وممن روي عنه كراهة رفع الصوت عند قراءة القرآن سعيد بن المسيب و سعيد بن جبير و القاسم بن محمد و الحسن و ابن سيرين و النخعي وغيرهم وكرهه مالك بن أنس و أحمد بن حنبل كلهم كره رفع الصوت بالقرآن والتطريب فيه روي عن سعيد بن المسيب انه سمع عمر بن عبد العزيز يؤم الناس فطرب في قراءته فأرسل اليه سعيد يقول : أصلحك الله ! ان الإئمة لا تقرأ هكذا فترك عمر التطريب بعد وروي عن القاسم بن محمد : أن رجلا قرأ في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم فطرب فأنكر ذلك القاسم وقال : : يقول الله عز وجل : { وإنه لكتاب عزيز * لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه }
 وروي عن مالك انه سئل عن النبر في قراءة القرآن في الصلاة فأنكر ذلك وكرهه كراهة شديدة وأنكر رفع الصوت به وروي ابن القاسم عنه انه سئل عن الألحان في الصلاة فقال : لا يعجبني وقال : إنما هو غناء يتغنون به ليأخذوا عليه الدراهم وأجازات طائفة رفع الصوت بالقرآن والتطريب به وذلك لأنه اذا حسن الصوت به كان أوقع في النفوس وأسمع في القلوب واحتجوا بقوله عليه السلام :
 [ زينوا القرآن بأصواتكم ] رواه البراء بن عازب أخرجه أبو داود و النسائي
 وبقوله عليه السلام :
 [ ليس منا من لم يتغن بالقرآن ] أخرجه مسلم
 ويقول ابي موسى للنبي صلى الله عليه وسلم : لو أعلم انك تسمع لقراءتي لحبرته لك تحبيرا وبما رواه عبد الله بن مغفل قال : [ قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح في مسير له سورة الفتح على راحلته فرجع في قراءته ] وممن ذهب الى هذا أبو حنيفة واصحابه و الشافعي و ابن المبارك والنضر بن شميل وهو اختيار ابي جعفر الطبري وابي الحسن بن بطال والقاضي ابي بكر بن العربي وغيرهم
 قلت : القول الأول اصح لما ذكرناه ويأتي : وأما ما احتجوا به من الحديث الأول فليس على ظاهره وإنما هو من باب المقلوب أي زينوا أصواتكم بالقرآن قال الخطابي : وكذا فسره غير واحد من أئمة الحديث : زينوا أصواتكم بالقرآن وقالوا هو من باب المقلوب كما قالوا : عرضت الحوض على الناقة وإنما هو عرضت الناقة على الحوض قال : ورواه معمرعن منصور عن طلحة فقدم الأصوات على القرآن وهو الصحيح
 قال الخطابي ورواه طلحة عن عبد الرحمن بن عوسجة عن البراء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
 [ زينوا القرآن بأصواتكم ] أي الهجوا بقراءته واشغلوا به أصواتكم واتخذوه شعارا وزينة وقيل : معناه الحض على قراءة القرآن والدوؤب عليه
 وقد روي عن ابي هريرة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
 [ زينوا أصواتكم بالقرآن ] وروي عن عمر أنه قال [ حسنوا أصواتكم بالقرآن ]
 قلت : والى هذا المعنى يرجع قوله عليه السلام :
 [ ليس منا من لم يتغن بالقرآن ] أي ليس منا من لم يحسن صوته بالقرآن كذلك تأوله عبد الله بن ابي مليكة قال عبد الجبار بن الورد : سمعت ابن ابي مليكة يقول : قال عبد الله بن ابي يزيد : مر بنا ابو لبابة فاتبعناه حتى دخل بيته فإذا رجل رث الهيئة فسمعته يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
 [ ليس منا من لم يتغن بالقرآن ] قال فقلت لابن مليكة : يا أبا محمد أرأيت اذا لم يكن حسن الصوت ؟ قال : يحسنه ما استطاه ذكره أبو داود واليه يرجع ايضا [ قول أبي موسى للنبي صلى الله عليه وسلم : إني لو علمت أنك تستمع لقراءتي لحسنت صوتي بالقرآن وزينته ورتلته ] وهذا يدل على انه كان يهذ في قراءته مع حسن الصوت الذي جبل عليه والتحبير : التزيين والتحسين فلو علم ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يسمعه لمد في قراءته ورتلها كما كان يقرأ على النبي صلى الله عليه وسلم فيكون ذلك زيادة في حسن صوته بالقراءة ومعاذ الله ان يتأول على رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يقول : ان القرآن يزين بالأصوات أو بغيرها فمن تأول هذا فقد واقع امرا عظيما أن يحوج القرآن الى من يزينه وهو النور والضياء والزين الأعلى لمن ألبس بهجته واستنار بضيائه وقد قيل : إن الأمر بالتزيين اكتساب القراءات وتزيينها بأصواتنا وتقدير ذلك : أي زينوا القراءة بأصواتكم فيكون القرآن بمعنى القراءة كما قال تعالى : { وقرآن الفجر } أي قراءته وكما جاء في صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو قال : إن في البحر شياطين مسجونة أوثقها سليمان عليه السلام ويوشك ان تخرج فتقرأ على الناس قرآنا أي قراءة وقال الشاعر في عثمان رضي الله عنه :
 ( ضحوا بأشمط عنوان السجود به ... يقطع الليل تسبيحا وقرآنا )
 أي قراءة فيكون معناه على هذا التأويل صحيحا إلا أن يخرج القراءة التي هي التلاوة عن حدها ـ على ما نبينه ـ فيمتنع وقد قيل : إن معنى يتغنى به يستغني به من الاستغناء الذي هو ضد الافقتار لا من الغناء يقال : تغنيت وتغانيت بمعنى استغنيت وفي الصحاح : تغنى الرجل بمعنى استغنى واغناه الله وتغانوا أي استغنى بعضهم عن بعض قال المغيرة بن حبناء التميمي
 ( كلانا غني عن اخيه حياته ... ونحن اذا متنا اشد تغانيا )
 والى هذا التأويل ذهب سفيان بن عيينة ووكيع بن الجراح ورواه سفيان عن سعيد بن ابي وقاص وقد روي عن سفيان ايضا وجه آخر ذكره إسحاق بن راهوية أي يستغنى به عما سواه من الأحاديث والى هذا التأويل ذهب البخاري محمد بن إسماعيل لإتباعه الترجمة بقوله تعالى : { أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم } والمراد الاستغناء بالقرآن عن علم أخبار الأمم قاله أهل التأويل وقيل : إن معنى يتغنى به يتحزن به أي يظهر على قارئه الحزن الذي هو ضد السرور عند قراءته وتلاوته وليس من الغنية فإنه لو كان من الغنية لقال : يتغانى به ولم يقل يتغنى به ذهب الى هذا جماعة من العلماء : منهم الإمام أبو محمد ابن حبان البستي واحتجوا بما رواه مطرف بن عبد الله بن الشخير عن أبيه قال :
 [ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي ولصدره أزير كأزير المرجل من البكاء ] الأزير : صوت الرعد وغليان القدر قالوا : : ففي هذا الخبر بيان واضح على ان المراد بالحديث التحزن وعضدوا هذا ايضا بما رواه الإئمة [ عن عبد الله قال قال النبي صلى الله عليه وسلم : اقرأ علي فقرأت عليه سورة النساء حتى اذا بلغت { فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا } فنظرت إليه فإذا عيناه تدمعان ] فهذه اربع تأويلات ليس فيها ما يدل على القرءة بالألحان والترجيح فيها وقال أبو سعيد بن الأعرابي في قوله صلى الله عليه وسلم :
 [ ليس منا من لم يتغن بالقرآن ] قال : كانت العرب تولع بالغناء والنشيد في اكثر أقوالها فلما نزل القرآن أحبوا ان يكون القرآن هجيراهم مكان الغناء فيقال :
 [ ليس منا من لم يتغن بالقرآن ]
 التأويل الخامس ـ ما تأوله من استدل به على الترجيح والتطريب فذكر عمر بن شبة قال : ذكرت لأبي عاصم النبيل تأويل ابن عيينة في قوله : يتغن يستغنى فيقال : لم يصنع ابن عيينة شيئا وسئل الشافعي عن تأويل ابن عيينة فقال : نحن اعلم بهذا لو أراد النبي صلى الله عليه وسلم الاستغناء لقال : من لم يستغن ولكن لما قال يتغن علمنا انه أراد التغني قال الطبري : المعروف عندنا في كلام العرب أن التغني أنما هو الغناء الذي هو حسن الصوت بالترجيح وقال الشاعر :
 ( تغن بالشعر مهما كنت قائله ... ان الغناء بهذا الشعر مضمار )
 قال : وأما ادعاء الزاعم أن تغينت بمعنى استغنيت فليس في كلام العرب وأشعارها ولا نعلم أحدا من أهل لعلم قاله وأما احتجاجه بقول الأعشى
 ( وكنت امرا زمنا بالعراق ... عفيف المناخ طويل التغن )
 وزعم أنه أراد الاستغناء فإنه غلط منه وانما عنى الأعمشى في هذا الموضع الإقامة من قول العرب : غني فلان بمكان كذا أي أقام ومنه قوله تعالى : { كأن لم يغنوا فيها } وأما استشهاده بقوله :
 ( ونحن إذا متنا اشد تغانيا )
 فإنه إغفال منه وذلك ان التغاني تفاعل من نفسين إذا استغنى كل واحد منهما عن صاحبه كما يقال : تضارب الرجلان إذا ضرب كل واحد منهما صاحبه ومن قال هذا في فعل الأثنين لم يجز ان يقول مثله في الواحد فغير جائز أن يقال : تغانى زيد وتضارب عمرو وكذلك غير جائز أن يقال : تغنى بمعنى استغنى
 قلت : ما ادعاه الطبري من انه لم يرد في كلام العرب تغنى بمعنى استغنى فقد ذكره الجوهري كما ذكرنا وذكره الهروي أيضا وأما قوله : إن صيغة فاعل انما تكون من اثنين فقد جاءت من واحد في مواضع كثيرة منها قول ابن عمر : وأنا يومئذ قد ناهزت الاحتلام وتقول العرب : طارقت النعل وعاقبت اللص وداويت العليل وهو كثير فيكون تغاني منها وإذا احتمل قوله عليه الصلاة والسلام : يتغن الغناء والاستغناء فليس حمله على أحدهما بأولى من الآخر بل حمله على الاستغناء أولى لو لم يكن لنا تأويل غيره لانه مروي عن صحابي كبير كما ذكر سفيان وقد قال ابن وهب في حق سفيان : ما رأيت أعلم بتأويل الأحاديث من سفيان بن عيينة ومعلوم أنه رأى الشافعي وعاصره
 وتأويل سادس ـ وهو ما جاء من الزيادة في صحيح مسلم عن ابي هريرة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
 [ ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن يجهر به ] قال الطبري : ولو كان كما قال ابن عيينة لم يكن لذكر حسن الصوت والجهر به معنى قلنا قوله : يجهر به لا يخلو أن يكون من قول النبي صلى الله عليه وسلم أو من قول ابي هريرة أو غيره فإن كان الأول وفيه بعد فهو دليل على عدم التطريب والترجيح لأنه لم يقل : يطرب به وانما قال : يجهر به أي يسمع نفسه ومن يليه بدليل [ قوله عليه السلام للذي سمعه وقد رفع صوته بالتهليل : أيها الناس اربعوا على أنفسكم فإنكم لستم تدعون أصم ولا غائبا ] الحديث وسيأتي وكذلك إن كان من صحابي أو غيره فلا حجة فيه على ما راموه وقد اختار هذا التأويل بعض علمائنا فقال : وهذا أشبه لأن العرب تسمي كل من رفع صوته ووالى به غانيا وفعله ذلك غناء وإن لم يلحنه بتلحين الغناء قال : وعلى هذا فسره الصحابي وهو أعلم بالمقال وأقعد بالحال
 وقد احتج ابو الحسن بن بطال لمذهب الشافعي فقال : : وقد رفع الإشكال في هذه المسألة ما رواه ابن ابي شيبة قال حدثنا زيد بن الحباب قال حدثنا موسى بن علي بن رباح عن ابيه عن عقبة بن عامر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
 [ تعلموا القرآن وغنوا به واكتبوه فو الذي نفسي بيده لهو أشد تفصيا من المخاض من العقل ] قال علماؤنا : هذا الحديث وإن صح سنده فيرده ما يعلم على القطع والبتات من أن قراءة بلغتنا متواترة عن كافة المشايخ جيلا فجيلا الى العصر الكريم الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس فيها تلحين ولا تطريب مع كثرة المتعمقين في مخارج الحروف وفي المد والإدغام والإظهار وغير ذلك من كيفية القراءات ثم إن في الترجيع والتطريب همز ما ليس بمهموز ومد ما ليس بممدود فترجع الألف الواحدة ألفات والواو الواحدة واوات والشهبة الواحدة شبهات فيؤدي ذلك الى زيادة في القرآن وذلك ممنوع وإن وافق ذل موضع نبر وهمز صيروها نبرات وهمزات والنبرة حيثما وقعت من الحروف فإنما هي همزة واحدة لا غير إما ممدودة وإما مقصورة فإن قيل : فقد [ روى عبد الله بن مغفل قال : قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسير له سورة الفتح على راحلته فرجع في قراءته ] وذكره البخاري وقال في صفة الترجيع : آءآءآء ثلاث مرات
 قلنا : ذلك محمول على إشباع المد في موضعه ويحتمل ان يكون حكاية صوته عند هز الراحلة كما يعتري رافع صوته إذا كان راكبا من انضغاط صوته وتقطيعه لأجل هز الممركوب واذا احتمل هذا فلا حجة فيه وقد خرج أبو محمد عبد الغني بن سعيد الحافظ من حديث قتادة عن عبد الرحمن بن ابي بكر عن ابيه قال :
 [ كانت قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم المد ليس فيها ترجيع ] وروى ابن جريج عن عطاء [ عن ابن عباس قال : كان لرسول صلى الله عليه وسلم مؤذن يطرب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الأذان سهل سمح فإذا كان أذانك سمحا سهلا وإلا فلا تؤذن ] أخرجه الدارقطني في سننه فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد منع ذلك في الأذان فأحرى ألا يجوزه في القرآن الذي حفظه الرحمن فقال وقوله الحق : { إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون } وقال تعالى : : { لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد }
 قلت : وهذا الخلاف إنما هو ما لم يفهم معنى القرآن بترديد الأصوات وكثرة الترجيعات فإن زاد الأمر على ذلك حتى لا يفهم معناه فذلك حرام باتفاق كما يفعل القراء بالديار المصرية الذين يقرأون أمام الملوك والجنائز ويأخذون على ذلك الأجور والجوائز ضل سعيهم وخاب عملهم فيستحلون بذلك تغيير كتاب الله ويهونون على أنفسهم الاجتراء على الله بأن يزيدوا في تنزيله ما ليس فيه جهلا بدينهم ومروقا عن سنة نبيهم ورفضا ليسر الصالحين فيه من سلفهم ونزوعا الى ما يزين لهم الشيطان من اعمالهم وهم يحسبون انهم صنعا فهم في غيهم يترددون وبكتاب الله يتلاعبون فإنا لله وإنا اليه راجعون ! لكن قد اخبر الصادق أن ذلك بكون فكان كما أخبر صلى الله عليه وسلم
 ذكر الإمام الحافظ أبو الحسين رزين وأبو عبد الله الترمذي الحيكم في نوادر الصول من حديث حذيفة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
 [ اقرأوا القرآن بلحون العرب وأصواتها وإياكم ولحون أهل العشق ولحون أهل الكتابين وسيجيء بعدي قوم يرجعون بالقرآن ترجيع الغناء والنوح لا يجاوز حناجرهم مفتونة قلوبهم وقلوب الذين يعجبهم شأنهم ] اللحون جمع لحن وهو التطريب وترجيع الصوت وتحسينه بالقراءة والشعر والغناء
 قال علماؤنا : ويشبه أن يكون هذا الذي يفعله قراء زماننا بين يدي الوعاظ وفي المجالس من اللحون الأعجمية التي يقرأون بها ما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم والترجيع في القراءة : ترديد الحروف كقراءة النصارى والترتيل في القراءة هو التأني فيها والتمهل وتبين الحروف والحركات تشبيها بالثغر المرتل وهو المشبه بنور الأقحوان وهو المطلوب في قراءة القرآن قال الله تعالى : { ورتل القرآن ترتيلا } و [ سئلت أم سلمة عن قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلاته فقالت : ما لكم وصلاته ! كان يصلي ثم ينام قدر ما صلى ثم يصلي قدر ما نام ثم ينام قدر ما صلى حتى يصبح ثم نعتت قراءته فإذا هي تعنت قراءة مفسرة حرفا حرفا ] أخرجه النسائي و أبو داود و الترمذي وقال : هذا حديث حين صحيح غريب